فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {سَاءَ مثلًا}.
{سَاءَ} بمعنى: بِئْسَ، وفاعلها مضمرٌ فيها، ومثلًا تمييزٌ مفسِّر له، وقد تقدم [النساء 38] أنَّ فاعل هذا الباب إذا كان ضميرًا يُفَسَّر بما بعده ويُسْتَغْنَى عن تثنيته وجمعه وتأنيثه بتثنية التمييز وجمعة وتأنيثه عند البصريين، وتقدَّم أنَّ {سَاءَ} أصلها التَّعدِّي لمفعولٍ، والمخصوصُ بالذم لا يكون إلا من جنسِ التمييز، والتمييز مُفَسِّر للفاعل فهوهو، فلزم أن يصدق الفاعلُ والتمييزُ والمخصوص على شيءٍ واحدٍ، إذا عُرِف هذا فقوله: {القَوْمُ} يرُ صادقٍ على التمييز والفاعل فلا جرم أنَّه لابد من تقدير محذوف إمَّا من التَّمييز، وإمَّا من المخصوص.
فالأوَّلُ يقدَّر: ساء أصحابُ مثل أو أهلُ مثل القوم، والثاني يقدر: ساء مثلًا مثل القوم، ثم حذف المضاف في التقديرين، وأقيم المضافُ إليه مُقامه، وهذه الجملةُ تأكيدٌ للَّتي قبلها.
وقرأ الحسنُ والأعمشُ وعيسى بن عمر: {سَاءَ مثلُ القَوْمِ} برفع {مثل} مضافًا للقوم.
وروي عن الجحدري كذلك، وروي عنه كسر الميم وسكون الثاء ورفع اللاَّم وجرُّ {القوم} وهذه القراءةُ المنسوبةُ لهؤلاء الجماعة تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون {سَاءَ} للتَّعَجُّب، مبنيَّةٌ تقديرًا على فَعُلَ بضمِّ العين كقولهم: لَقَضُوا الرجلُ، و{مَثَل القوْم} فاعل بها، والتقدير: ما أسوأ مثل القومِ، والموصولُ على هذا في محل جر، نعتًا لقَوم.
والثاني: أنَّها بمعنى بِئْسَ و{مثلُ القوم} فاعل، والموصولُ على هذا في محلِّ رفعٍ؛ لأنه المخصوصُ بالذَّمِّ، وعلى هذا لابد مِنْ حذف مضاف، ليتصادقَ الفاعلُ والمخصوصُ على شيءٍ واحدٍ، والتقدير: ساءَ مثلُ القومِ مثل الذين، وقدَّر أبو حيان تمييزًا في هذه القراءة وفيه نظر؛ إذْ لا يحتاج إلى تمييز، إذا كان الفاعلُ ظاهرًا، حتَّى جعلُوا الجمع بينهما ضرورةً، كقول الشَّاعر: [الوافر]
تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أبيكَ فِينَا ** فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أبيكَ زَادَا

وفي المسألة ثلاثة مذاهب: الجوازُ مطلقًا، والمَنْعُ مطلقًا، والتَّفصيلُ، فإن كان مغايرًا في اللَّفظ ومفيدًا فائدة جديدة جاز نحو: نعم الرَّجُلُ شجاعًا زيدٌ؛ وعليه قوله: [الوافر]
تَخَيَّرَهُ ولَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ ** فَنِعْمَ المَرْءُ مِن رَجُلٍ تِهَامِي

فصل:
قال اللَّيْثُ: سَاءَ يَسُوءُ: فعلٌ لازمٌ ومتعد، يقالك ساء الشَّيءُ يَسُوء فهو سيّىءٌ وسَاءَه يَسُوءُهُ مَسَاءَةً، إذا قبح.
فإن قيل: ظاهر قوله: {سَاءَ مَثَلًا} يقتضي كون ذلك المثل موصوفًا بالسُّوء، وذلك غير جائز؛ لأن هذا المثل ذكره الله تعالى، فكيف يكون موصوفًا بالسُّوء؟ وأيضًا فهو يفيد الزجر عن الكُفرِ والدَّعوة إلى الإيمان، فكيف يكون موصوفًا بالسُّوءِ؟
فالجوابُ: أنَّ الموصوف بالسُّوءِ ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها، حتَّى صارُوا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلبِ اللاَّهِث.
قوله: {وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} {أنْفُسَهُمْ} مفعول لـ {يَظْلِمُونَ} وفيه دليلٌ على تقديم خبر كان عليها؛ لأنَّ تقديم المعمول يؤذنُ بتقديم العامل غالبًا، لأنَّ ثمَّ مواضع يمتنع فيها ذلك نحو: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} [الضحى: 9] ف {اليتيمَ} مفعول بـ {تقهر} ولا يجوز تقديم {تَقْهَرْ} على جازمه، وهو محتملٌ للبحث.
وهذه الجملةُ الكونيةُ تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون نسقًا على الصلة وهي {كذَّبُوا بآيَاتِنَا} والمعنى: الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله، وظلم أنفسهم.
والثاني: أن تكون مستأنفة، أي: وما ظلموا إلا أنفسهم بالتَّكذيب، وعلى كلا القولين فلا محلَّ لها، وقُدِّم المفعولُ، ليفيدَ الاختصاص وهذا على طريق الزمخشريِّ وأنظاره كأنَّهُ قيل: وخصوا أنفسهم بالظُّلْمِ، وما تعدى أثر ذلك الظُّلم عنهم إلى غيرهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)} أي صفته أدنى من نعت من بُلِيَ بالإعراضِ الأزليِّ، وأيُّ نعتٍ أعلى من وصف مَنْ أُكْرِمَ بالقبول الأبديّ؟ وأيُّ حيلةٍ تنفع مع مَنْ يخلق الحيلة؟ وكيف تَصِحُّ الوسيلةُ إلا لمن منه الوسيلة؟. اهـ.

.تفسير الآية رقم (178):

قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك محل عجب ممن يميل عن المنهج بعد إيضاحه هذا الإيضاح الشافي، قال جوابًا لمن كأنه قال: فما لهم لا يؤمنون؟ مفصلًا لقوله: {ولو شئنا لرفعناه بها} [الأعراف: 176]: {من يهد الله} أي يخلق الهداية في قلبه الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه {فهو المهتدي} أي لا غيره.
ولما كان في سياق الاستدلال على أن أكثر الخلق هالك بالفسق ونقض العهد، وحد {المهتدي} [الأعراف: 177] نظرًا إلى لفظ {من} وجمع الضال نظرًا إلى معناها فقال: {ومن يضلل فأولئك هم} أي البعداء البغضاء خاصة لا غيرهم {الخاسرون} إذ لا فعل لغيره أصلًا، والآية من فذلكة ما مضى، وما أحسن ختمها بالخسران في وعظ من ترك الآخرة بإقباله على أرباح الدنيا وأعرضها الفانية، ثم تعقيبها بذرء جهنم الذين لا أخسر منهم.
ذكر قصة بلعام من التوراة- قال في السفر الرابع منها بعد أن ساق قتالهم لسيحون ملك الأمورانيين: وفرق المؤابيون من الشعب فرقًا شديدًا لأنهم رأوه شعبًا عظيمًا، فاضطرب المؤابيون ورجفت قلوبهم خوفًا من بني إسرائيل، وقال ملك مؤاب لأشياخ مدين: اعلموا أن هذا الجمع يرتعي حرثنا، ولا يدع أحدًا إلا أهلكه، ويرتعي كل من حولنا كما يرتعي الثور عشب الأرض، وكان ملك المؤابيين في ذلك الزمان بالاق بن صفور، فأرسل رسلًا إلى بلعام بن بعور العراف المعبر للأحلام الذي كان ينزل على شاطئ النهر قريبًا من أرض بني عمون ليدعوه إليه فيستعين به: أخبرك أنه قد خرج شعب من أرض مصر، فغشى وجه الأرض كلها، وقد نزلوا جبالنا، فأطلب إليك أن تأتي وتلعن هذا الشعب لأنه أقوى وأعز منا، لعلنا نقدر أن نحاربه ونهلكه عن جديد الأرض، لأني عارف أن الذي تباركه هو مبارك، والذي تلعنه هو ملعون، وانطلق أشياخ مؤاب وأشياخ مدين ومعهم هدايا وجوائز، فأتوا بلعام فقالوا له قول بالاق، فقال لهم: بيتوا هاهنا ليلتكم هذه فأخبركم بما يقول الرب، فأقام أشراف مؤاب عند بلعام، فأتى ملك الله بلعام وقال له: من القوم الذين أتوك؟ قال بلعام للملاك: بالاق بن صفور ملك مؤاب أرسل إلي وقال: قد خرج شعب من أرض مصر فملأ وجه الأرض، فأقبل إلينا حتى تلعنه، لعلي أقدر أن أجاهده وأهلكه، وقال الملاك لبلعام: لا تنطلق مع القوم ولا تلعن الشعب لأنه مبارك، فقال بلعام بكرة لعظماء بالاق: انطلقوا إلى صاحبكم، لأن الرب لم يحب أن يدعني أنطلق معكم، ونهض عظماء مؤاب فأتوا بالاق وقالوا له: لم يهو بلعام إتيانك معنا، فعاد بالاق أيضًا فأرسل رسلًا أعظم وأكرم من الأولين، فأتوا بلعام وقالوا له: هكذا يقول بالاق بن صفور: لا تمتنع أن تأتيني لأني سأعظمك وأكرمك جدًّا، وما قلت لي من شيء فعلت، وأقبل إلينا لتلعن لي- هذا الشعب، فرد بلعام على رسل بالاق قائلًا: لو أن بالاق أعطاني ملء بيته ذهبًا وفضة لم أقدر أن أتعدى قول ربي وإلهي، ولا أحيد عن قول صغير ولا كبير من أقواله، فعرجوا أنتم أيضًا عندنا ليلتكم هذه حتى أنظر ما يخبروني ملاك الله من أمركم، فنزل وحي الله على بلعام ليلًا، وقال له: إن كان هؤلاء القوم إنما أتوك ليدعوك فقم فانطلق معهم، ولكن إياك أن تعمل إلا ما أقول فنهض بلعام بكرة وأسرج أتانه وانطلق مع عظماء مؤاب، فقال ملاك الرب في الطريق ليكون له لددًا، فرأت الأتان ملاك الله قائمًا في الطريق مخترطًا سيفه ممسكه في يده، فحادت عن الطريق وسارت في الحرث، فضربها بلعام ليردها إلى الطريق، فقام ملاك الرب في طريق ضيق بين كرمين فرأت الأتانة ملك الرب فزحمت الحائط وضغطت رجل بلعام في الحائط، فعاد يضربها أيضًا، ثم عاد ملاك الرب وقام في موضع ضيق حيث ليس لها موضع تحيد منه يمنة ولا يسره، فبصرت بملاك الرب وربضت تحت بلعام، فاشتد غضب بلعام وضرب الأتان بالعصا، وفتح الرب فم الأتان وقالت لبلعام: ما الذي صنعت بك حتى ضربتني ثلاث مرات؟ قال بلعام: لأنك زريت بي، ولو أنه كان في يدي سيف كنت قد قتلتك الآن، فقالت: ألست أتانتك التي تركبني منذ صباك إلى اليوم؟ هل صنعت مثل هذا الصنع قط؟ قال لها: لا وجلّى الرب عن بصر بلعام فرأى ملك الله قائمًا في الطريق مخترطًا سيفه ممسكه بيده، فجثا وخر على وجهه ساجدًّا، فقال له ملاك الرب: ما بالك ضربت أتانك ثلاث مرات أنا الذي خرجت لأكون لك لدادًا، لأنك أخذت في طريق خلافًا لأمري، فلما رأتني الأتان حادت عني ثلاث مرات، ولو أنها لم تحد عني كنت قتلتك وأبقيت عليها، قال بلعام لملاك الرب: أسأت وأجرمت، لم أعلم أنك قائم بإزائي في الطريق، فالآن إن كان انطلاقي مما تكرهه رجعت، قال ملاك الرب لبلعام: انطلق مع القوم وإياك أن تفعل شيئًا إلا ما أقول لك! فانطلق بلعام، فسمع بالاق فخرج ليتلقاه وقال بالاق: لم تأتني؟ قال: قد أتيتك الآن، لعلك تظن أني أقدر أن أقول شيئًا إلا القول الذي يجريه اللهعلى لساني به أنطق، فلما كان الغد عمد بالاق إلى بلعام وأصعده إلى بيت بعل الصنم، فرأى من هناك أقاصي منازل شعب إسرائيل، وقال بلعام لبالاق: ابني لي هاهنا سبعة مذابح، وهيىء لي سبعة ثيران وسبعة كباش، وفعل بالاق كما قال له بلعام، ورفع بالاق الكباش والثيران على المذبح قربانًا، وقال بلعام لبالاق: قم هاهنا عند قرابينك حتى أنطلق أنا، لعل الرب يوحي إليّ ما أهواه، وأنا مظهر لك ما يوحي به، فانطلق فظهر الله وألهمه قولًا وقال له: انطلق إلى بالاق وقل له هذا القول، فأتاه وهو قائم عند قرابينه وجميع قواد مؤاب معه، ورفع بلعام صوته بأمثاله وقال: ساقني بالاق ملك المؤابيين من أرام التي في المشرق، وقال لي: أقبل حتى تلعن يعقوب وتهلك آل إسرائيل، فكيف ألعنه ولم يلعنه الله، وكيف أهلكه والرب لا يريد هلاكه، رأيته من رؤوس الجبال، ونظرت إليه من فوق الآكام وإذا هو شعب وحده لا يعد مع الشعوب، ومن يقدر يحصي جميع عدد يعقوب، أو من يقدر يحصي عدد ربع بني إسرائيل، تموت نفسي موتًا ويكون آخري إلى آخرهم، قال بالاق لبلعام: دعوتك لتلعن أعدائي فإذا أنت تباركهم وتدعوا لهم، فرد بلعام قائلًا: الذي يلهمني الرب ويجري على لساني إياه أحفظ، وبه أنطق: قال له بالاق: مر معي إلى موضع آخر لنراهم من هناك، وإنما أسوقك لترى آخرهم ولا تراهم أجمعين، وانطلق به إلى حقل الربية وأقامه على رأس الأكمة، وابتنى هناك سبعى مذابح، وقرب عليها الثيران والكباش، قال بلعام: قف هاهنا عند قرابينك حتى أنطلق أنا الآن، فانظر ما الذي يقال؟ وتجلى الرب على بلعام وأجرى على فيه قولًا وقال له: انطلق إلى بالاق فأخبره بهذا القول، فأتاه وهو قائم عند قرابينه ومعه أشراف مؤاب، فرفع بلعام صوته بأمثاله وقال؛ انهض بالاق واسمع قولي وأصغ لشهادتي يا ابن صفور!